الأربعاء، 10 مارس 2010

أفعل ما تشاء فلا يوجد اله !.

أفعل ما تشاء فلا يوجد اله !.

الكثير من الأصدقاء حينما أناقشهم حول فكرة الإله وعدم جدواها بل هي فكرة لم يتم تقديم أي دليل يدعمها ، يقفز السؤال المكرر في كل مرة بان الاله والتدين يضعان الانسان بمعزل عن العبثية والاعتباطية في السلوك ، حتى ان احدى الزميلات في طبيعي صرحت بانها ترتبط بمتدين او مسلم لان الملحد لا امان معه ولايوجد شي يحكمه .

يقول ريتشارد داوكنز :

ان طرح السؤال بتلك الطريقة يبدو دنيئا وعندما يطرحه انسان متدين بهذا الشكل (والعديد منهم يفعل ذلك) تغمرني رغبة ملحة بالتحدي التالي : هل تعني ان تقول لي بان السبب الوحيد الذي تحاول لاجله ان تكون صالحا هو لتحصل على رضا الله ومكافاته او لتفادي غضبه وعقوبته ؟ هذا ليس اخلاقيا بل نفاق وتلميع للمظاهر فقط ، ان ترمق النظر لكاميرا المراقبة العظيمة في السماء او الميكروفون التجسس في راسك والذي يراقب كل حركاتك وحتى ادنى الافكار الطائشة في الرأس.

وكما قال اينشتاين : لو ان الناس صالحون فقط لخوفهم من العقوبة وطمعهم بالمكافأة فإننا صنف يؤسف لنا بالتأكيد.

يقول مايكل شيرمر: في كتابه علم الخير والشر بان مثل هذا التساؤل يضع حدا لكل أشكال النقاش لو وافقت على انك في غياب الله سوف تسرق وتغتصب وتقتل فانك شخص لا أخلاقي وعلينا فعلا ان نحتاط منك . ولو على الطرف الاخر لو وافقت ان تستمر في كونك صالحا حتى بدون وجودك تحت مراقبة السماء فانك تنقض زعمك بان الله ضروري لنكون صالحين ، اشتبه في ان كثيرا من المتدينين يفكرون بان الدين هو ما يدفعهم ليكونوا صالحين خصوصا اتباع احد فروع الايمان الذي يستغل بشكل منظم للشعور بالذنب وتأنيب الضمير.

ان الاله والتدين لم ينجحا في تعزيز عنصر الخير لدى الانسان فالكثير من الشرور ارتكبت على مذبح الاله وبيد أنبيائه الأصفياء ولا نتعجب من ذبح احد الأنبياء لابنه أو حتى مجرد التفكير بذلك ، العديد من المجازر والحروب كانت بسبب فكرة الاله .

الكثير من المتدينين ارتكبوا مجازر وجرائم دون ان يفعل الاله شيئا او حتى ان يعزز رقابتهم الذاتية والتي يزعم المتدينون بانها تمثل صوت الضمير الذي يقول للانسان قف فهذا خطا .
الحروب الاهلية الطائفية كلها ترتكب بمباركة من الاله وممثليه على الارض .
ان الإلحاد لايزيد من الدافع الأخلاقي لكنه متناغم مع المستوى الدراسي ومعدل الذكاء كما- اثبتت احدى الدراسات- ، فيجعله ابعد عن كونه منبثقا للفكر الاجرامي ، وطبعا لا انزه الملحد عن الاعمال الاجرامية ، لان السلوك هو تصرف شخصي فاعظم منظومة اخلاقية لايمكنها ان تزكي معتنقيها عن ارتكاب الجرائم .

لكن الدين بما هو منظومة مليء بالدوافع الاجرامية والدعوة للقتل وكما جاء في الديانات التوحيدية :

سفر التثنية، الإصحاح 20

10 «حِينَ تَقْرُبُ مِنْ مَدِينَةٍ لِكَيْ تُحَارِبَهَا اسْتَدْعِهَا إِلَى الصُّلْحِ،

11 فَإِنْ أَجَابَتْكَ إِلَى الصُّلْحِ وَفَتَحَتْ لَكَ، فَكُلُّ الشَّعْبِ الْمَوْجُودِ فِيهَا يَكُونُ لَكَ لِلتَّسْخِيرِ وَيُسْتَعْبَدُ لَكَ.

12 وَإِنْ لَمْ تُسَالِمْكَ، بَلْ عَمِلَتْ مَعَكَ حَرْبًا، فَحَاصِرْهَا.

13 وَإِذَا دَفَعَهَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى يَدِكَ ""فَاضْرِبْ جَمِيعَ ذُكُورِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ"".

14 وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ وَكُلُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ، كُلُّ غَنِيمَتِهَا، فَتَغْتَنِمُهَا لِنَفْسِكَ، ""وَتَأْكُلُ غَنِيمَةَ أَعْدَائِكَ الَّتِي أَعْطَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ.""

15 هكَذَا تَفْعَلُ بِجَمِيعِ الْمُدُنِ الْبَعِيدَةِ مِنْكَ جِدًّا الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ مُدُنِ هؤُلاَءِ الأُمَمِ هُنَا.

إنجيل لوقا، الإصحاح 19

26 لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ يُعْطَى، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَالَّذِي عِنْدَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ.

27 أَمَّا أَعْدَائِي، أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ، ""فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي""».

القرآن، سورة التوبة:

5 فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ ""فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ"" فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

29 ""قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ"" حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ.

كملحد لن ارتكب شيء يضرني ، ولا يضر محيطي لاني جزء من هذا المحيط الذي يتمثل تارة بمجتمع وتارة بدولة وتارة بانسان . وانا اؤمن بان اي شيء اضيفه للاخرين فانه يوثر بي شخصيا لاني جزء من الاخرين يربطني بهم انتماء وطني او انساني .

هل لو ان الاله لم يكن موجودا ، هل تبقى البشرية تتقاتل ولا تضع قوانين ومواثيق لتنظيم حياتها ؟اشك بهذا بل اني متأكد انها تفعل ويكون حالها افضل من الان .
شكراً لقراءة المقال

الاثنين، 8 مارس 2010

سيكون مشوشاً أن نبحث عن الدين الواحد الحقيقي..

غالبا ما أتيحت لي حوارات مع أناس متدينين عن قناعاتهم المطلقة بأن روايتهم الدينية هي الصحيحة (بدلا من الروايات النابعة من الـ9999 ديناً الأخرى). عادة، كان الرد هو ذلك الذي يعرّف معنى الحشو: "أنا أعلم أنها الرواية الحقيقية لأن ديني هو الوحي الحقيقي". جميل!

افترض أن شخصاً من المريخ قد انتقل إلى الأرض حديثاً. وهو التسوق للحصول على دين واحد صحيح. دعونا نرى أين سيقوده هذا الاستكشاف. كأيّ مريخي منطقي وعقلاني، فسوف يبدأ بطرح بعض الأسئلة الأساسية ليبقي الحوار دائراً.

هل يمكنني أن أشرب الكحول؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
هل يمكنني أكل البروشيوتو (نوع إيطالي من اللحم المقدد، يتخذ من لحم الخنزير)؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
هل يمكنني أكل بعض الأرز المقلي مع الجمبري؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
هل يمكنني الاستماع إلى الموسيقى؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
هل يمكن أن أشغّل الحاسوب للعمل يوم السبت؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
هل يمكن أن أتخذ أكثر من زوجة واحدة؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
هل يمكنني أن أستمني (أشبع ذاتي جنسياً)؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
ما هي سهولة الحصول على الطلاق؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
ما هي العقوبة اللازمة (إن وجدت) للمثلية الجنسية؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
هل يمكن للمرء أن ينتحر؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
هل يمكن لي أخذ الأدوية الموصوفة إذا مرضت؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
هل ثمَّ حيوانات معينة تعتبر مقدسة؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
هل ثمَّ إله واحد أو آلهة متعددة؟ هذا يعتمد على من هو/هي الإلهـ(ة) الحقيقيـ(ة).
هل توجد جهنم؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
هل ممارسة الجنس قبل الزواج مسموح ؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
هل الشمس إلهية؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
هل لي أن أتناسخ؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
كيف على المرأة أن تلبس ؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
هو ختان الذكور واجب إلهي؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
هو ختان الإناث واجب إلهي؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
هل كشف المخلِّص عن نفسه؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
يمكنني شراء الغفرانات "لأنقل بسرعة" أقاربي الأموات إلى الجنة؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
هل من المهم أن تكون دائما على علم بموقعك بالنسبة للاتجاهات الأساسية؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
هل هناك ممثل مباشر للإله على الأرض؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
هل سيذهب الملحدون إلى الجحيم؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
كم هو سهل بالنسبة لي أن أنضم إلى دينكم؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
هل هو تجديف أن أحصل على وشم؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
هل هناك شيء ما مثل النهر المقدس؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
هل يجب أن أسعى للانتقام من أعدائي؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
هل نحن قريبون من هرمجدون (المعركة الكبرى قبل عودة يسوع المسيح)؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
هل تسكن بعض الأرواح على الكواكب الأخرى؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
هو يحظر ارتداء الأحذية الجلدية في أيام معينة؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
هل الحج واجب إلهي؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
هل الردة مسموح بها؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.
هل التطور حقيقة؟ هذا يعتمد على من هو الإله الحقيقي.


بعد كل هذه الأسئلة: سوف يبدو صحيحاً أن الإله يكمن في التفاصيل!


هذه التدوينة هي ترجمة لمقالة الدكتور جاد سعد، منشورة على موقع Psychology Today.

الجمعة، 5 مارس 2010

مبدأ السافانا

ماذا ولماذا يستطيع الدماغ البشري أن يدرك؟


أحد الافتراضات الأساسية لعلم النفس التطوري هو أنه لا يوجد شيء خاص عن الدماغ البشري. فهو جهاز متطور، تماما كاليد أو البنكرياس أو أي جزء آخر من جسم الإنسان.

تماما مثل كل أجزاء أخرى من الجسم البشري، الدماغ – وجميع الآليات النفسية المتطورة ضمنه – تصمم وتكيف مع ظروف بيئة الأسلاف التي تطوروا فيها، وليس بالضرورة في البيئة الحالية. هذا المبدأ ينطبق على كل من التكيفات النفسية، كالآليات النفسية المتطورة، والتكيفات الجسدية، مثل العين، والرؤية، ونظام التعرف على الألوان


" ما هو لون الموزة ؟ "



ما هو لون الموزة؟ الموزة صفراء في ضوء الشمس وضوء القمر. صفراء في يوم مشمس، في يوم غائم، وفي يوم ممطر. صفراء عند الفجر وعند الغسق. لون الموزة يبدو ثابتاً للعين البشرية في ظل كل هذه الظروف، رغم حقيقة أن موجات الضوء الفعلية المنعكسة من سطح الموزة في ظل هذه الظروف المتنوعة هي مختلفة. موضوعيا، فهي ليست من لون واحد طوال الوقت. ومع ذلك، يمكن للعين البشرية ونظام التعرف على الألوان أن تعوض هذه الظروف المتنوعة لأنها جميعا وقعت خلال مسار التطور لنظام رؤية الإنسان، ويمكن أن تتصور موضوعياً ألواناً متنوعة على أنها صفراء باستمرار.

فالموز يبدو أصفر تحت كل الظروف، ما عدا في موقف سيارات في الليل. تحت أضواء بخار الصوديوم التي تستخدم عادة لتضيء مواقف السيارات، لا يظهر الموز كأصفر طبيعي. وهذا لأن أضواء بخار الصوديوم لم تكن موجودة في البيئة الأسلافية، أثناء تطور نظام رؤية الإنسان، والقشرة البصرية بالتالي عاجزة عن تعويضهم.

معجبو فيلم جيمس كاميرون لعام 1989 "الهاوية" قد يتذكرون مشهداً قرب نهاية الفيلم ، حيث يستحيل على الغطاس أن يميز الألوان تحت إضاءة اصطناعية في الظلام المعتم كلياً للحوض المحيطي العميق. متابعو البرنامج التلفازي "ملفات جنائية" وغيره من مسلسلات الجرائم الواقعية قد يتذكّرون أبعد من ذلك أن شهود العيان غالبا ما يخطئون التعرف على ألوان السيارات على الطرق السريعة، مما يؤدي بالشرطة إما إلى إثبات أو استبعاد المشتبه بهم المحتملين بشكل غير صحيح، لأن الطرق السريعة والخارجية غالباً ما تضاء بأنوار بخار الصوديوم وغيرها من مصادر الإضاءة الجديدة تطورياً.


نفس هذا المبدأ الذي ينطبق على التكيفات الجسدية مثل التعرف على الألوان ينطبق على التكيفات النفسي. إذ جميع رواد علم النفس التطوري أقرُّوا بأن التكيفات النفسية تصممت لتتلاءم مع ظروف بيئة الأسلاف، وليس بالضرورة لظروف البيئة الراهنة. أدعو هذه الملاحظات بمبدأ السافانا:
" لدى الدماغ البشري صعوبة في الفهم والتعامل مع الكيانات والحالات التي لم تكن موجودة في بيئة الأسلاف ".
سائر علماء النفس التطوريين يسمون نفس الملاحظة فرضية التركة التطورية أو فرضية عدم التطابق.



أحد الأمثال على مبدأ السافانا في الواقع هو حقيقة أن الأفراد الذين يشاهدون أنواع معينة من البرامج التلفزيونية هم أكثر رضى عن صداقاتهم، تماما كما لو أن لديهم المزيد من الأصدقاء أو أنهم يجتمعون معهم على نحو أكثر تواتراً. فمن المنطقي جداً أن الناس الذين لديهم المزيد من الأصدقاء الذين يجتمعون معهم بشكل أكثر تواترا هم أكثر رضى عن صداقاتهم من أولئك الذين لا يوجد لديهم الكثير من الأصدقاء أو لا يجتمعون معهم بصورة متكررة. وهم كذلك. ما يثير الاهتمام هو أن يحدث الشيء نفسه إذا كانوا يشاهدون التلفزيون أكثر. من منظور مبدأ السافانا هذا هو الأرجح، لأن صوراً واقعية لبشر آخرين، مثل التلفزيون، الأفلام، أشرطة الفيديو، الديفيديهات، والصور ، لم تكن موجودة في بيئة الأسلاف، حيث كل الصور الواقعية للبشر الآخرين هي بشر آخرين. نتيجة لذلك، فإن مبدأ السافانا يوحي بأن العقل البشري قد يجدون صعوبة ضمنية في التمييز بين "أصدقاء التلفزيون" – الشخصيات التي تعرض تكرارا في برامج التلفاز – وأصدقائهم الحقيقيين.

مثال آخر، نوقش على نطاق واسع في إدراج سابق، هو حقيقة أنه عندما قام النفسانيون التجريبيون عمداً بخلق حالة حيث يكسب الناسُ المالَ وهم منبوذين ويخسرون المال وهم متضمنين، لا يزال الناس يشعرون بالسعادة عندما يُتضمنون (ويخسرون المال) ويتأذون عندما يُستبعَدون (ويكسبون المال). في حين أن هذا لا معنى له من منظور اقتصادي بحت، فهو يتفق تماما مع مبدأ السافانا. فطوال مراحل تطور البشرية، كان الاستبعاد من مجموعة دائماً مكلفاً والتضمين دائماً مفيداً. هذان العاملان تفاوتا معاً دائماً عبر التاريخ التطوري، لأنه لم يكن ثَمّ نفسانيون تجريبيون أشرار في بيئة أسلاف يُتلاعب بها بشكل مستقل. لم تكن هناك أشياء مثل الاستبعاد النافع أو التضمين المكلف، وبالتالي لا يمكن للعقل البشري استيعابها. فهو يفترض ضمناً أن كل تضمينٍ مفيد وكل استبعادٍ مكلف.

لذلك يبدو أن الدماغ البشري يجد صعوبة فعلية في الفهم والتعامل مع الكيانات والحالات التي لم تكن موجودة في بيئة الأسلاف، كما يشير إليها مبدأ السافانا. إذا نظرت حولك، سوف تدرك أن لا شيء تقريبا في بيئتك الحالية كان موجوداً في بيئة الأسلاف. في الواقع، أعتقد أن هناك أربعة كيانات فقط في بيئتنا الحالية كانت موجودة في بيئة الأسلاف: الرجال والنساء والفتيان والفتيات. إن كنت خارجها، قد تميل إلى أن تتضمن بعض الميزات الطبيعية كالأشجار والجبال والأنهار، ولكن ما لم تكن أنت في السافانا الأفريقية، فأنها ليست نفس الأشجار والجبال والأنهار التي كانت موجودة في بيئة الأسلاف. هناك المزيد من المواقف والعلاقات في بيئتك الحالية التي لم تزال موجودة في بيئة الأسلاف، كالصداقات، والتحالفات، وعقود الازدواج (أو التزويج). ولكن العديد من هذه الحالات والعلاقات اليوم تشمل مكونات بديعة تطورياً (مثل فيسبوك، العقود المكتوبة التي تنفذها الحكومة، وشهادات الزواج).


إن كلمة المفتاح في مبدأ السافانا – لدى الدماغ البشري صعوبة في الفهم والتعامل مع الكيانات والحالات التي لم تكن موجودة في بيئة الأسلاف – هي الصعوبة، لا الاستحالة. فأحيانا يمكن التغلب على القيود المفروضة على الدماغ البشري بشكل واعي – يمكن لنا أن نتذكر أن الشخصيات التي نرى على التلفاز هم ممثلون محترفون يتقاضون الملايين من الدولارات لأداء أدوار مكتوبة – ولكنه غالباً ما يكون صعباً. حتى حين ندرك شيئا على المستوى الواعي، فإننا لا نزال نتصرف كما لو لم نكن، حيث نصبح أكثر ارتياحا مع صداقاتنا عندما نشاهد التلفاز أكثر. للملاحظة التي قبض عليها مبدأ السافانا آثار قوية وعميقة جداً على علم النفس التطوري وكيف يعمل الدماغ البشري.



المصدر: مقالة للدكتور ساتوشي كانازاوا على موقع علم النفس اليوم.
من ترجمة كوان.

من الذي يمثل الإسلام

من الذي يمثل الإسلام

الدين حينما يكون نظاماً حياتياً ورؤية فلسفية، يجب أن يتجسد بأشخاص يمثلونه حتى نلاحق مقولاته سلباً أو إيجاباً . وذلك لأن دعوات تطبيق الدين الإسلامي انطلقت بشعارات من قبيل "الإسلام هو الحل" أو "الإسلام يقود الحياة "، وبُنيت على هذه الدعوات أحزاب وتكتلات إسلامية كثيرة .

ان الدين الاسلامي متشعب جداً، ففيه مذاهب كثيرة وكل مذهب يحتوي على قراءات متعددة ومختلفة بل متناقضة بأغلب الأحيان .
حتى ان داخل المذهب الشيعي هناك فرق متنوعة وأفكار مختلفة حول نظام الحكم: فمنهم من يصنفه كولاية للفقيه، وحتى هذه الولاية اختلفوا فيها كثيراً، ومنهم من يرى الشورى او الديمقراطية، ومنهم من لا يرى اي نظام للحكم في الاسلام بل هو نابع من منطقة الفراغ التشريعي ، بتعبير أخر ان الحكم هو خاضع للتجربة البشرية .

لقد قسموا الاسلام الى سياسي وثقافي وليبرالي وعلماني وتقسيمات كثيرة جداً، لكنني ساعول على ما كتبه مصطفى ملكيان في مجلة قضايا إسلامية معاصرة، العددين 24-25، فقد قال في صفحة 201 عن معاني الإسلام:

" الإسلام تارة النصوص الدينية والمذهبية المقدسة للمسلمين ، اي انه مجموع القرآن والاحاديث الصحيحة (وسوف نسميه هنا بالاسلام الاول) وتارة يعد الاسلام مجموعة الشروح والتفاسير والتبيانات والدفاعات الخاصة بالقرآن والأحاديث الصحيحة ، اي ان الاسلام هو نتاجات المتكلمين وعلماء الاخلاق والفقهاء والفلاسفة والعرفاء وغيرهم من علماء الثقافة الاسلامية (الاسلام الثاني). وأحيانا يعرّف الاسلام بوصفه جملة الممارسات التي صدرت عن المسلمين طوال التاريخ ، علاوة على الآثار والنتائج المترتبة على هذه الافعال (الاسلام الثالث).
... كل هذه القراءات والفهوم يمكن تلخيصها في وقتنا الراهن بثلاث تيارات كبرى: الاسلام الاصولي (Fundamentalist) والاسلام الحداثي (Modernist) والاسلام التقليدي (Traditionist). "

ان ما يطرحه ملكيان هنا يمكن تسميته بإسلام النصوص، وإسلام القراءات البشرية للنصوص، واسلام السلوك والممارسات. وهذه قسمة تشمل الإسلام ككل، لان اي تقسيم للإسلام يندرج تحت إحدى هذه العناوين أو أكثر .

ان ما نراه اليوم تحت اسم الدين من إرهاب وقتل ومصادرة حقوق الأقليات ورفض الفكر الاخر وانتهاك لحقوق الانسان والتخلف في المجتمعات الاسلامية جعل العديد من الناس تبحث عن موطن الخلل، وانطلقت ثلاث فرضيات تشخص هذا الخلل هي:

الفرضية الاولى: ان الخلل في التطبيق اما الدين كنص مقدس فلا غبار عليه ، ولو ان المجتمع قد طبق الدين حرفيا لوصل الى سعادته المنشودة وغاياته المعهودة .
الفرضية الثانية: ان الخلل في فهم العلماء للنصوص الدينية ، فهم مختلفون باتجاهات ومقاصد كثيرة بل ان القراءة البشرية للنص تختلف باختلاف منظري الدين نفسه ، بكلام اخر: ان الخلل هو بالمنهج السائد بتفسير النص الديني وليس في الدين نفسه كما تنص الفرضية الاولى .
الفرضية الثالثة
: ان الخلل في الدين نفسه ، مثلا ان مشكلة الاسلام هو الاسلام نفسه لانه نص ثابت وغير تفاعلي ، ولم يحل مشاكل القوم الذي فرضه نفسه عليهم ، بل ان قائدته الاوائل لم تخلو حياتهم من مشاكل يمكن حلها بواسطة ابسط سياسات وطرق حل النزاع بعالم اليوم ، انها نصوص تخالف ما يثبته العلم الحديث ، بمعنى ان النص الديني لا يتناسب مع تطورات وتحديات عالم اليوم .

وقبل ان اختبر هذه الفرضيات فاني انطلق من مسبقات قمت باختبارها اثناء رحلتي الطويلة بدراسة الدين وساتطرق لها بقادم المقالات ، بان الدين الاسلامي يمثله محمد الرسول فقط ، وكل شخص ياتي بفهم مختلف فانه يعدل بهذا الدين وبها يكون عندنا أديان مختلفة وان تشاركت بالاصول لكنها اختلفت بالفروع .

ان من ينسخ تجربة محمد بحذافيرها يكون مطبقا حقيقياً للدين الاسلامي وخير من يجسد هذا الامر هم السلفية الوهابية .


وباختبار الفرضيات نجد ان فرضية ان الخلل في التطبيق لاتنسجم مع التطبيقات المختلفة للدين ، فنحن نعرف ان المجتمع يطبق الدين ويحرص على تأدية شعائره. بل ان التطبيقات المختلفة دليل ان الخلل ليس فيها ، فالامر مشابه لقضية الدواء والاستخدام الصحيح للدواء ، فحينما لا نجد ان الدواء قد حقق الفوائد المرجوة نقع تحت افتراضين او اكثر: اما ان الخلل بالدواء نفسه او الخلل باستخدام الدواء، إذ لم يستخدم المريض هذا الدواء وفق تعاليم الطبيب. لكن والحال بان هناك مليار مريض يتناول الوصفة الطبية بطرق مختلفة، فهذا يؤكد بان الخلل ليس بالتطبيق بل بالدواء نفسه او بالتشخيص . فالخلل الان انحصر اما في فهم المنظرين للنصوص الدينية، وهنا يمثلون المشخص في مثال الدواء، او الخلل في نفس الدواء ، وهو متجسد بالدين .

كذلك لو كان الخلل بالمسلمين وان الاسلام لايعرف من خلال المسلمين فهو إيديولوجيا غير عملية، لأنهم إن اعتبروه نظاماً فينبغي أن يكون صالحاً للتطبيق وصديقاً للمستخدم، ودعواهم أنه لا يعبر عنه من آمن به تعني أنه ليس صالحاً للاستيعاب ولا صديقاً للمستخدم.

الفرضية القائلة بان الخلل في فهم العلماء للدين غير صحيحة ، لانها لا تتوافق مع مبدا "ان الاسلام يقود الحياة" او انه اطروحة تتمثل بالسلام الدائم والسعادة المتناغمة مع اهداف البشرية: لانهم اما ينتظرون مصلحا غائبا او يولد بعد حين ، فلا يعطون نموذجا للقيادة. فبالتالي اعتراضهم على الانظمة الارضية والبشرية لا يمت للواقع بصلة لانهم لا يملكون البديل ، كذلك لو تمت فرضية ان الخلل بفهم العلماء للدين ، فلن يكون هناك مطبق حقيقي للدين وسيضيع الدين هباءً منثوراً.

وهناك بعض من المنظرين لتجديد الدين، يقولون بان الخلل في العلماء ويطرحون حلول ومناهج بديلة لفهم الدين ، ونفس فرضيتهم تنطبق عليهم، وكذلك يقال: ان تنظيرهم مُحدث عن الدين الاصلي فيمثل نسخة معدلة وليست نفس النسخة ، وهي دوما ما تكون نتيجة الظروف الراهنة او ضغوطات الامر الواقع ، وان كان العلماء لا يفهمون الدين حق فهمه فمن الذي فهم ومن الذي يساله الناس عن الدين، وفقاً لأمر القرآن: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" ؟

اما فرضية ان الخلل في الاسلام فهذا هو الواقع ، فان مشكلة المسلمين هي الاسلام نفسه ، من خلال نصوصه الثابتة والتي لا تتناغم مع طبيعة مجتمع زمن محمد فكيف بزماننا الحالي. فهو الوحيد الذي كان يقطع يد السارق دون غيره من التجمعات البشرية، ونصوصه تخالف العلم كثيراً ولا ترتقي لبناء نظام سياسي حالي يتوافق مع تحديات عصر العولمة والتسابق في رفاه الشعوب وسعادتها، او التقدم العلمي من خلال تملك الموارد الثمينة والتقنيات الحديثة ، واستخدامها بافضل صورة مناسبة .

والسؤال لكل من يخالفني وجهة النظر : من هو الذي يمثل الإسلام ؟


شكراً لقراءة المقال
ستيف