الخميس، 22 يوليو 2010

بقعة الله


بقعة الرب

إن الإيمان بالله أمر مندمج بعمق في دماغ ِالانسان, والدماغ يبدو مبرمجاً لتقبل التجارب الدينية, وهذه النتيجة هي حصيلة دراسة حاولت معرفة السبب وراء كون الدين ظاهرة عالمية وحاضرة في معظم الأماكن والأزمنة.

بعض العلماء يبحثون عن منطقة عصبية, اسموها "God spot" والتي يفترض أنها تقوم بالسيطرة على الاعتقاد الديني, وهي مقسمة - كما يعتقد العديد من العلماء - على عدة مناطق تكون الشبكة التي تمثل الأساس الحيوي للمعتقد الديني.

يقول الباحثون بأن النتائج التي توصلوا إليها تؤكد الفكرة السائدة بأن الحس الايماني قد تطور مع تطور البشر, لان له أهميته في تعزيز فرص البقاء.


الايمان الديني والسلوك الديني, كلاهما علامة مميزة للإنسان, فلا يوجد أي حيوان أظهر تصرفاً مماثلاً أو مشابهاً للتصرف البشري؛ إن نتائجنا المميزة اظهرت أن هناك مركبة مهمة في الدماغ تخص الاعتقاد الديني, وهذا يدعم التصور الذي توصل إليه الباحثون النفسانيون بأن الايمان الديني هو ذو اساس تطوري, وقد كان فعالاً جداً في عملية التطور. يقول البروفيسور جوردن جارفمان, من المؤسسة الأمريكية لاضطرابات الأعصاب والصدمات في بيثيسدا, قرب واشنطن:


"العلماء انقسموا, بين من يظن أن للايمان أصل بايلوجي, وهؤلاء العلماء التطوريين اقترحوا أن الانتخاب الطبيعي ــ وفقاً لداروين ــ يفضل الأفراد الذين لهم اعتقاد ديني على اولئك الذين ليس لديهم اعتقاد كهذا؛ حيث أن هذا الإيمان يساعد في الحالات الصعبة, بينما يظن بعض آخر أن الايمان هو أحد نتائج الرغبة الانسانية في البحث عن الحقيقة، والايمان بالأديان والقوى الخارقة كان أحد طرق تلبية تلك الرغبة, وهي التي تجعل الدماغ الانساني مبدع ومتطور.



في آخر دراسة, تم نشرها في مجلة الأكاديمية الوطنية لتقدم العلوم, قام العلماء بتحليل ادمغة مجموعة من المتطوعين, الذين كان عليهم أن يفكروا بالدين, الأخلاق, وبمختلف الأسئلة الأخرى, ولأغراض التحليل استخدم العلماء تصوير الرنين المغناطيسي, لملاحظة أي الدوائر الكهربائية يتم تنشيطها في الدماغ.


وجد أن هؤلاء المتطوعين, ورغم اختلاف أديانهم ومعتقداتهم "وبينهم ملحدون" كلهم قاموا باستخدام نفس الدائرة الكهربائية في الدماغ لحل المعضلات الأخلاقية, وهي نفسها التي تم تنشيطها أثناء تعامل المتطوعين المتدينين مع الأفكار المتعلقة بالرب.


وجدت الدراسة أن عدة مناطق تم تنشيطها في الدماغ, بضمنها الفص الأمامي للقشرة الدماغية, وهو جزء متطور لا تمتلك سائر الحيوانات تراكيب مشابهة له, وجزء آخر أكثر تعمقاً – وهو منطقة موجودة لدينا ولدى كائنات انفصلت عن خطنا التطوري قبل أزمنة سحيقة، يتشاركها الانسان مع الغوريلا.




لا يوجد شيئ مميز في الاعتقاد الديني في تلك التراكيب الدماغية, ببساطة, لا يوجد ما يسمى بـ"بقعة الرب", لكن تلك الوظيفة مشتركة بين اجزاء عديده من النظام الإيماني في الدماغ, وهذه الاجزاء نستخدمها يومياً ــ بروفيسور جارفمان.

إن البحث عن بقعة الرب قاد العلماء في العقود الاخيرة إلى مناطق دماغية مختلفة ، منها ما قادهم إلى "الفص الزمني
temporal lobe" المتمركز فوق كل أذن, وذلك لأن المصابين بالصرع في تلك المنطقه يصرحون دائماً بمرورهم بتجارب إيمانية, وهذا ما أدى بالعالم فيلاينور رامشندران من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو إلى تعرض عدة مرضى مصابين بــ"صرع الفص الزمني" إلى سماع عدة كلمات , لها معنى ديني , جنسي وكلمات اعتياديه, وقاس مستويات المنعكسات العاطفية, وقد وجد أن الكلمات الدينية تسببت بتجاوبات عالية وغير طبيعية عند أولئك المرضى.

هذا أدى بالعلماء الى اختراع اداة خاصة, تولد مجال مغناطيسي يحاكي الحقل المغناطيسي للفص الزمني. بواسطة "خوذة الرب"، وجد مايكل بيرسينجر من جامعة اونتاريو، وجد انه يستطيع ادخال الدماغ في تجربة دينية صناعية , وقد قال من أرتدوا هذه الخوذه أنهم قد احسوا بحضور روحي او شعروا ببركة إلهية.


د. بريسنجر قال ان (8) من اصل (10) قد احسوا بالتجارب الدينية اثناء ارتدائهم الخوذة، بينما قال الدكتور الملحد المشهور عالمياً "ريتشارد داوكنز" أنه لم يجد الله اثناء ارتدائه الخوذة عند اعداده لتقرير لمحطة BBC, لكنه احس بخدر في الاطراف وقال أنها اثرت على تنفسه أيضا.

دراسات اخرى تضمنت بوذيين اقترحت ان الجزء العلوي الخلفي من الدماغ هو الذي يسيطر على الاعتقاد الديني, بالتحديد الشعور الذي يمر به البعض من الترقي لمستوى اعلى, والذي يحدث اثناء الصلاة.

اندرو نيوبيرك , من جامعة بنسلفانيا , حقن عدة متطوعين ممارسين للبوذية قبل وصولهم الى حالة النرفانا*, وباستخدام كاميرا خاصة, صور توزيع المادة المشعة في الدماغ, والتي ادت بالعلماء الى التعرف للفصين الجداريين الذين أثرا في هذه الحالة.


"عندما لا تكون لدينا معرفه كاملة بالعالم من حولنا , هنا تسنح لنا الفرصة للإيمان بالله , عندما لانجد تفسيرا علميا لاي شيء, نحن نعتمد على التفسيرات فوق الطبيعية، وربما, طاعة قوة خارقة لا نعرفها تسهل عملية ظهور الاديان. " ــ بروفيسور جارفمان.


ان هذا المقال يسلط النظر على مسألتين مهمتين, الاولى ان النشوة الدينيه تم تفسيرها علميا , بل وامكن خلقها اصطناعيا , والثانيه , هي ان النبي محمد "رسول الإسلام" , كان يعاني من أعراض الصرع وفق مصادر الحديث , وكما بينت الدراسات المترجمة , فان الصرع من الممكن ان يسبب التجارب الايمانيه , فهل من الممكن ان يكون محمد الف دينه كله في تجارب الصرع ؟!


*
النرفانا هي حالة من السعادة، تصفها العقيدة البوذية، يشعر عندها الإنسان بالاستغناء عن كل رغباته وحاجاته.

الأحد، 18 يوليو 2010

الضوء الاول في الكون



الضوء الاول في الكون.

يعرف في بعضا الاحيان بأسم "توهج الخلق" , لانه اول ضوء صدر عند تكون الماده بعد الانفجار الكوني , والان , العلماء يقتربون لوضع افضل صور على الاطلاق مأخوذه من بداية الزمن.
اوائل شهر تموز يوليو 2010 , اطلقت الوكاله الاوربيه للفضاء اول الصور الملتقطه للسماء كامله من خلال القمر الاصطناعي بلانك "Planck" والذي كان قد اطلق في العام المنصرم من اجل تصوير خلفية اشعة المايكروويف –مايسمى بتوهج مابعد الخلق- في كل الاجزاء المعروفه من الكون , الصوره انتجت بعد اولى عمليات البحث لكافة الفضاء , وستستخدم لانتاج صوره عالية التفاصيل ودقيقه لخلفية الاشعاع الذي خلفته الكره الناريه للانفجار الكوني العظيم.
الصوره الملتقطه من القمر الاصطناعي بلانك للانفجار الكوني

في هذه الصوره , نحن نرى الكون من المركز نحو الخارج , اشعة المايكروويف الخلفيه هي المناطق الصفراء في نهايتي الصوره , الاشعاع من مجرتنا "درب اللبانه" هو الخط الابيض المشع في المنتصف , بينما المناطق الزرقاء والحمراء هو الانبعاث الاشعاعي للغازات الحاره والغبار الكوني.
القرص الابيض الرفيع الصادر من مجرة درب اللبانه يفصل الفضاء الشمالي في القمه عن الفضاء الجنوبي في الاسفل , ان التدخل الاشعاعي لمجرتنا "الذي سيسبب تشويش في الصوره" يتم مسحه رقميا لينتج الصوره الاكثر دقه , وتمثل الصوره تسع حزم او تسع الوان.

بلانك "القمر الاصطناعي" ريم لنا اول صوره طيفيه للكون –يقول ديفيد باركر مدير هيئة الفضاء والعلوم والاكتشافات البريطانيه , والتي تساهم في الجانب البريطاني في مشروع البحث العالمي , ويردف قائلا , هذه الصوره المنفرده , التقطت صوره لكوننا المعروف "مجرة درب اللبانه" ولكنها ايضا صورت لنا الانفجار الكوني العظيم والذي كون الكون بأكمله.

توضيح من قبل المترجم : اقترح العلماء وجود خلفيه تشويشيه اشعاعيه نتيجة الانفجار الكوني العظيم , وببساطه يمكنك تخيل الامر بان ضوء الانفجار الذي حدث بقربك سيستمر في طريق مستقيم في الفضاء , ويمكننا الان بتلسكوبات خاصه , ان نرى ضوء ذلك الانفجار من خلال ذلك الضوء , تخيل انك تقوم باللحاق بسياره مسرعه , يمثل اشعاع الانفجار هذه السياره J .
اقترح العلماء وجود مثل هذه الخلفيه التشويشيه للانفجار قبل 60 سنه و واول اكتشاف لها عمليا كان عام 1960 , من خلال قمر اصطناعي سمي "كوب cobe " الذي رسم خارطه كامله للاشعاع في الكون , وقد ثبت ان هذا الاشعاع راجع للانفجار لان الاشعاع وجد في كل اتجاهات الكون.



لقد طال الامر 16 سنه من العمل الدؤوب من قبل العلماء الاوربيين , الامريكيين , والكنديين لانتاج هذه الصوره عن نشوء الكون , والقمر بلانك يعمل بذكاء ونحن نتوقع ان نتعلم الكثير عن الانفجار الكوني وعن خلق كوننا بسببه طقال البروفيسور جورج ايفستاثيو , احد العلماء الباحثون في المعلومات التي تصل من القمر بلانك في جامعة كامبريدج".

يقدر ان الاشعاع الكوني قد انطلق بعد 400,000 سنه بعد الانفجار الكوني , حينما بدأت اول الذرات بالتكون , ويعتقد بعض العلماء ان الخلفيه الاشعاعيه ماهي الا نسخه عن عناقيد المجرات الحاليه اثناء تكوينها تحت تأثير الجاذبيه , وبهذا ستكون خارطه كامله للكون منذ البدأ.

الأحد، 11 يوليو 2010

ما الذي تعنيه ”الجـِدَة Novelty“ ؟

يرتبط الذكاء مع الانفتاح على التجربة الجديدة. ولكن ما الذي تعنيه ”التجربة الجديدة“؟

أظهرت الأبحاث في علم نفس السمات Personality Psychology مراراً أن أحد عوامل السمات لنموذج ”العوامل الخمسة“ — الانفتاح على الخبرة — يرتبط إيجابياً إلى حد كبير (وإن بصورة معتدلة) مع الذكاء. فالأفراد الأكثر ذكاء أكثر انفتاحا على التجارب الجديدة. إن التشابه والتداخل بين الذكاء والانفتاح يتضحان من حقيقة أن بعض الباحثين يدعون عامل السمات هذا “التفكر” بدلاً من “الانفتاح”.

يمكن للفـرضيـة تقديم تفسير واحد لكون الأفراد الأكثر ذكاء أكثر انفتاحا على التجارب الجديدة، وبالتالي أكثر عرضة لالتماس الجـِدَة Novelty. فالذكاء العام تطور كتكيّف محدود بالمجال للتعامل والحل للمشاكل الجديدة تطورياً، لذا فمن المعقول جداً أن الأفراد الأكثر ذكاء، والأقدر على حل مثل هذه المشاكل، هم أكثر انفتاحاً على الكيانات والمفاهيم الجديدة التي قد تؤدي إلى حل مثل هذه المشاكل.

في ذات الوقت، فالفـرضيـة تشير لاحتمال الحاجة إلى صقل مفهوم الجـِدَة، والتمييز بين الجـِدَة التطورية (الكيانات والحالات التي لم تكن موجودة في بيئة الأسلاف)، والجـِدَة التجريبية (الكيانات والحالات التي لم يجربها الأفراد شخصياً في حياتهم الخاصة). ففي حين أن نموذج العوامل الخمسة لا يحدد أي نوع من الجـِدَة يكون الأفراد المنفتحون — ومن ثَمَّ الأكثر ذكاء — هم أكثر ميلاً لالتماسه، تشير الفـرضيـة إلى أن الأفراد أكثر ذكاء من المرجح أن يسعى للجـِدَة التطورية فقط، وليس بالضرورة للجـِدَة التجريبية.

على سبيل المثال، كل من على قيد الحياة في الولايات المتحدة اليوم قد عاشوا كل حياتهم في مجتمع أحادي monogamous صارم ، وعلى الرغم من الاستثناءات العرضية التي تصنع الأنباء، فإن قليلاً جداً من الأميركيين المعاصرين لديهم تجارب شخصية مع تعدد الزوجات. لذا، فالزواج الأحادي مألوف بالتجربة لمعظم الأميركيين، في حين أن تعدد الزوجات جديد بالتجربة. يجوز إذن لنموذج العوامل الخمسة التنبؤ بأن الأفراد أكثر ذكاء من الأرجح أن يكونوا منفتحين تجاه تعدد الزوجات باعتباره فكرة أو نمط حياة جديد تجريبياً.

على العكس، فالبشر متعددو زوجات بشكل طبيعي. تشير الأدلة المقارنة إلى أن أجدادنا قد مارسوا تعدد زوجات معتدلاً طوال التاريخ التطوري للإنسان. أما الزواج الأحادي المفروض اجتماعياً الذي لدينا اليوم في معظم المجتمعات الغربية فهو ظاهرة تاريخية حديثة نسبياً. لذا فإن تعدد الزوجات مألوف تطورياً في حين الزواج الأحادي هو الجديد تطورياً. سيكون للفـرضيـة بذلك أن تتكهن بأن الأفراد الأكثر ذكاء أكثر احتمالاً للانفتاح على الزواج الأحادي وأقل عرضة لتعدد الزوجات. وفي الواقع، فإن الأدلة تشير إلى أن الرجال الأكثر ذكاء أكثر احتمالاً لتقدير التفرد الجنسي من الرجال الأقل ذكاء.

وكمثال آخر، فلمعظم الأميركيين المعاصرين، الأسماء التقليدية المستمدة من الكتاب المقدس، مثل ”جون/حنّا“ و ”ماري/مريم“، هي أكثر أُلفة بالتجربة من أسماء غير تقليدية مثل OrangeJello و LemonJello. لذا فقد يتنبأ نموذج العوامل الخمسة بأن الأفراد أكثر ذكاء هم أكثر احتمالاً لتسمية أطفالهم بأسماء غير تقليدية مثل OrangeJello و LemonJello من الأفراد أقل ذكاء. أما من وجهة نظر الفـرضيـة ، فكُلٌّ من جون وOrangeJello هما جديدان تطورياً بنفس القدر، وذلك لأن الكتاب المقدس نفسه وكل الأسماء التقليدية المستمدة منه جديد تطورياً. لذا فإنه لا يُتوقع أن الأفراد الأكثر ذكاء أكثر احتمالاً لتسمية أطفالهم أسماء غير تقليدية. في الواقع، لا يوجد أي دليل على الاطلاق على أن الأفراد الأكثر ذكاء من المرجح أن يفضلوا أسماء غير تقليدية لأطفالهم. إعطاء الأبناء أسماء غير عادية ربما يكون في الواقع دليلاً على انخفاض الذكاء.

تشدد الفـرضيـة على ضرورة التمييز بين الجـِدَة التطورية والجـِدَة التجريبية. ويمكن لها أن تفسر لماذا يكون الأفراد الأكثر ذكاء أكثر عرضة لالتماس الجـِدَة التطورية، ولكن ليس بالضرورة الجـِدَة التجريبية. كما تقترح أبعد أن يكون الترابط correlation المُثبَت بين الانفتاح والذكاء مقتصراً على الجـِدَة التطورية، وليس بالضرورة الجـِدَة التجريبية، ولكن المقاييس الحالية للانفتاح لا تعرض بشكل ملائم لهذا الاقتراح.


هذه المقالة هي ترجمة لمقالة د. كانازاوا What Does “Novelty” Mean?.

الجمعة، 9 يوليو 2010

الـفرضيـة، أو: لماذا يريد الناس ما يريدونه؟

ملاحظة: في هذه المقالة يستخدم د. كانازاوا عبارة ”The Hypothesis“ للدلالة على فرضيته التي يستنتجها هنا، وقد فضّلت ترجمتها إلى العربية هكذا: الـفرضيـة .. وسأستخدم هذه الكلمة لاحقاً في كل مقالاته القادمة.


السافانا.. منها بدأنا "كصيادين-لاقطين" وإليها نعود "للبحث عن أصولنا المنسية"


من أين تأتي قيم الأفراد وتفضيلاتهم؟ لماذا يريد الناس ما يريدونه؟ ما الذي يفسر أصل التفضيلات الخصوصية والقيم للأفراد؟

إن مشكلة القيم – أصلها والفروق الفردية – هي واحدة من المسائل النظرية التي لم تحل في العلوم السلوكية. الإجابة التقليدية للاقتصاديين على سؤال التقليدي القيم الفردية والتفضيلات هو: De gustibus non est disputandum. للأذواق لا يوجد تفسير، ولذا لا يقدر أحد أن يفسر التفضيلات الخصوصية والقيم للأفراد.

إني أعتقد أن علم النفس التطوري هو المفتاح لكشف منشأ التفضيلات والقيم الفردية. فمبدأ السافانا ينص على أن الدماغ البشري لديه صعوبة في الفهم والتعامل مع الكيانات والحالات التي لم تكن موجودة في بيئة الأسلاف. ونظرية تطور الذكاء العام تشير إلى أن الذكاء العام قد تطور كتكيف نفسي محدد بالمجال لحل المشاكل الجديدة تطورياً. إن ترابطهما المنطقي يشير كفاءة مبدأ السافانا، ويفضي إلى فرضية جديدة حول التفضيلات والقيم الفردية.

فإذا كان الذكاء العام قد تطور للتعامل مع المشاكل الجديدة تطورياً، فإنّ صعوبة الدماغ البشري في الفهم والتعامل مع الكيانات والحالات الجديدة تطورياً (كما يقترح مبدأ السافانا) ينبغي أن تتفاعل مع الذكاء العام، بحيث يكون مبدأ السافانا مؤثراً أكثر بين الأفراد الأقل ذكاءً من الأفراد الأكثر ذكاءً. فالأفراد الأكثر ذكاءً ينبغي أن يكونوا أكثر قدرة على الفهم والتعامل مع الكيانات والحالات الجديدة تطورياً (ولكن ليس المألوفة تطورياً) من الأفراد الأقل ذكاءً.

وهكذا فإن فرضية تفاعل السافانا–نسبة الذكاء (سيشار لها لاحقاً ”بالـفرضيـة“ في هذه المدونة) تشير إلى أن الأفراد الأقل ذكاءً يجدون صعوبة أكبر من الأفراد الأكثر ذكاءً في الفهم والتعامل مع مع الكيانات والحالات التي لم تكن موجودة في بيئة الأسلاف. في المقابل، الذكاء العام لا يؤثر على قدرة الأفراد على الفهم والتعامل مع الكيانات والحالات المألوفة تطورياً التي كانت موجودة في بيئة الأسلاف.

إن الكيانات الجديدة تطورياً التي يكون الأفراد الأكثر ذكاءً أكثر قدرة على الفهم والتعامل معها يمكن أن تشمل الأفكار وأساليب العيش، والتي تشكل الأساس لتفضيلاتهم وقيمهم. سيكون من الصعب جدا على الأفراد أن يفضَّلوا أو يقيِّموا شيئاً ما لا يستطيعون فهمه حقاً. لذلك، مطبقةً على نطاق التفضيلات والقيم، فالـفرضيـة تشير إلى أن الأفراد الأكثر ذكاءً أكثر احتمالاً من الأفراد الأقل ذكاءً لاكتساب وتبني التفضيلات والقيم الجديدة تطورياً التي لم تكن موجودة في بيئة الأسلاف ومن ثمّ لم تكن لدى أسلافنا، ولكن ليس للذكاء العام أي تأثير على اقتناء واعتناق تفضيلاتٍ مألوفة تطورياً وقيمٍ كانت سائدة في بيئة الأسلاف.

في التدوينات القادمة، سوف أناقش بعض مترتبات هذه الـفرضيـة في مجالات مختلفة من الحياة، والأدلة التجريبية المتصلة بها.

الأربعاء، 7 يوليو 2010

كيف تطور الذكاء العام ؟

هكذا تطورت أجسادهم .. فكيف تطورت عقولهم؟


إذا كانت محتويات دماغ الإنسان محددة بالمجال، كما يزعم علماء النفس التطوري، فكيف يمكن لعلم النفس التطوري أن يفسر الذكاء العام، والذي يبدو عام المجال؟

يشير الذكاء العام إلى القدرة على التفكير بالاستنباط أو الاستقراء، أو على نحو تجريدي، استخدام القياس، تركيب المعلومات، وتطبيقها في مجالات جديدة. وهو مقياس لكيفية (وإلى أي مدى) تفكيرك، وليس معرفتك، رغم أن ما تعرفه يتأثر بذكائك.

مفهوم الذكاء العام يطرح مشكلة لعلم النفس التطوري. فعلماء النفس التطوري يقولون بأن دماغ الإنسان يتكون من آليات نفسية متطورة محددة بالمجال، والتي تطورت لتحل مشاكل تكيفية معينة (كمشاكل البقاء والتكاثر) في مجالات محددة. وهكذا، لدينا مثلاً آلية كشف الغش في مجال التبادل الاجتماعي، وجهاز اكتساب اللغة في مجال اكتساب اللغة الأم. تطورت الآليات النفسية المتطورة تعمل فقط في مجالها المعين. إذ لا يمكنك استخدام آلية كشف الغش لتعلم لغتك الأم أو جهاز اكتساب اللغة للكشف عن الذين قد ينتهكون عقداً اجتماعياً ضمنياً. ولكن إذا كانت محتويات دماغ الإنسان محدودة بالمجال، كيف يمكن لعلم النفس التطوري أن يفسر الذكاء العام، الذي يبدو عام المجال، وينطبق ويفيد في العديد من المجالات؟

إني أعتقد أن ما يعرف الآن باسم الذكاء العام ربما قد تطور في الأصل كتكيف محدد بالمجال للتعامل مع مشاكل جديدة تطوريا وغير متكررة. فالدماغ البشري يتكون من عدد كبير من آليات نفسية متطور ة محددة بالمجال لتحل مشاكل التكيف المتكررة، مثل مشاكل توفير الغذاء، واختيار الشريك. في هذا المعنى، لم يكن على أسلافنا حقا أن يفكروا لأجل حل هذه المشاكل المتكررة. فالتطور قد أنجز كل التفكير سلفاً، إن جاز التعبير، وجهّز الدماغ البشري بالآليات النفسية الملائمة، والتي تنتج فينا التفضيلات المناسبة، الإدراكات المرغوبة، والعواطف، وتحفّز السلوك التكيفي في سياق بيئة الأسلاف.

كل ما كان على أسلافنا فعله لحل مشاكلهم التكيفية اليومية هو اتباع ما تمليه تلك الآليات النفسية المتطورة والتصرف وفقا لما شعروا به، والسير وراء عواطفهم ومشاعرهم. نادراً ما كان التعقّل الواعي والمتعمد ضروريا لأسلافنا، لأن معظم مشاكلهم التكيفية كانت متكررة ومألوفة، وكانت لديهم حلول متأصلة في أدمغتهم.

حتى في أقصى ظروف الاستمرارية والثبات في بيئة الأسلاف، كانت هناك مشاكل عرضية يرجح أنها جديدة وغير متكررة تطورياً، الأمر الذي تطلب من أجدادنا أن يفكروا ويتعقلوا لأجل الحل. وربما قد تكون مشاكل جديدة تطوريا كهذه قد حصلت، على سبيل المثال:

1. البرق قد ضرب شجرة بالقرب من المخيم وأشعل النار فيه. النيران تنتشر الآن إلى الشجيرات الجافة. ماذا علي أن أفعل؟ كيف يمكن لي وقف انتشار الحريق؟ كيف يمكن لي ولعائلتي الخروج منه؟ (منذ أبدا بما أن البرق لا يضرب المكان نفسه مرتين ، وهذا ضمان أن تكون المشكلة غير متكررة).

2. نحن في وسط أقسى موجة جفاف خلال مائة سنة. المكسرات والتوت في أماكن تجمعنا الطبيعية، والتي عادة ما تكون وفيرة ، لا تنمو على أي حال، والحيوانات نادرة أيضاً. الغذاء ينفد منا لأن أيا من مصادرنا الطبيعية من المواد الغذائية لا يتوفر. ماذا يمكننا أن نأكل؟ وما هو الآمن للأكل؟ وإلا فكيف يمكننا توفير الغذاء؟

3. تسبب سيل مفاجئ في تضخم النهر لعدة أمثال عرضه العادي، وأنا محاصر على جانب واحد في حين أن فرقتي بأكملها على الجانب الآخر. ومن المحتم أن أنضم إليهم قريبا. كيف يمكن لي عبور النهر؟ هل يجب أن أمشي خلاله؟ أو ينبغي أن أشيد نوعا من المركبات الطافية وأستخدمها لعبوره؟ إذا كان الأمر كذلك ، فأي نوع من المواد علي أن أستخدم؟ الخشب؟ الحجارة؟

إلى حد أن هذه المشاكل الجديدة تطوريا وغير المتكررة، حدثت بتكرار كافي في بيئة الأسلاف (مشكلة مختلفة كل مرة)، وكانت لها آثار خطيرة كفاية لتؤثر على البقاء والتكاثر، فإن أي طفرات وراثية سمحت لحامليها بالتفكير والحُكم من شأنها أن يتم اختيارها، وما نسميه الآن “الذكاء العام” ربما قد تطور كتكيف محدد بالمجال في مجال المشاكل الجديدة تطوريا وغير المتكررة. ولأن مثل هذه المشاكل ليست ملامح متكررة في بيئة الأسلاف، ما من حلول متأصلة توفرت بالتكيفات النفسية الحاضرة.

من هذا المنظور، ربما لم يكن الذكاء العام مهما جدا – ليس أكثر أهمية من أي تكيف نفسي آخر محدد بالمجال – في أصله التطوري، ولكنه أصبح هاما بشكل شامل في الحياة الحديثة، فقط لأن بيئتنا الحالية هي تقريباً بالكامل جديدة تطوريا. النظرية الجديدة تقترح، والبيانات التجريبية تؤكد أن أكثر الأفراد الأذكياء هم أفضل من الأفراد الأقل ذكاء في حل المشاكل إن كانت المشاكل جديدة تطورياً. والأفراد الأكثر ذكاء ليسوا أفضل من الأفراد الأقل ذكاء في حل المشاكل المألوفة تطورياً، كما في مجالات التزاوج، الوالدية، والعلاقات بين الأشخاص، والعثور على المسار (إيجاد طريقك إلى البيت في غابة) ، إلا إذا كان الحل ينطوي على كيانات جديدة تطورياً. على سبيل المثال، الأفراد الأكثر ذكاء ليسوا أفضل من الأفراد الأقل ذكاء في إيجاد الرفقاء والحفاظ عليهم، ولكنهم قد يكونون أفضل في استخدام أجهزة المواعدة الحاسوبية. الأفراد الأكثر ذكاء ليسوا أفضل في إيجاد الطريق إلى البيت في غابة، ولكنهم قد يكونون أفضل في استخدام الخريطة أو جهاز ملاحة ساتلي (يقوم على السواتل: الأقمار الصناعية).

إني أعتقد أن العلماء والمدنيين معاً قد بالغوا بإفراط في أهمية الذكاء العام في الحياة اليومية. فالذكاء لا يساعدك مع المشاكل المهمة حقاً في حياتك، كالحفاظ على علاقة عمل ناجحة، كونك صديقا جيدا، وتربية الأطفال. إنه يساعدك فقط في حل المشاكل غير المهمة والجديدة تطورياً كالحصول على التعليم الرسمي، جني المال في اقتصاد رأسمالي، والتحليق بطائرة.


هذه التدوينة هي ترجمة لمقالة الدكتور ساتوشي كانازاوا، المنشورة على موقع Psychology Today