عجائب الدنيا السبع
the seven wonders
لويس توماس by lewis Thomas
ترجمة د.شفيق السيد صالح
عن كتاب فصول من الكتابة العلمية الحديثة (تحرير ريتشارد دوكنز ) ص 95 -104
النص الاصلي (انكليزي ) للمقال هنا
the seven wonders
لويس توماس by lewis Thomas
ترجمة د.شفيق السيد صالح
عن كتاب فصول من الكتابة العلمية الحديثة (تحرير ريتشارد دوكنز ) ص 95 -104
النص الاصلي (انكليزي ) للمقال هنا
منذ فترة دعاني ناشر لإحدى المجلات إلى عشاء يضم ستة أشخاص غيري كي نعد قائمة بعجائب الدنيا السبع في العالم الحديث . وذلك حتى تحل محل عجائب الدنيا السبع القديمة .
أجبته أنني لا أستطيع عمل ذلك على الأقل ليس في قائمة مقتضبة لكن ظل السؤال معلقاً في ثناياً دماغي .فتشت في العجائب المندثرة حدائق بابل المعلقة وأخواتها . ثم فتشت عن كلمة (عجيبة) حتى أتأكد أني فهمت ما قد تعني ...
العجيبة هي كلمة تعني شيئاً نتعجب منه . هي تحتوي على خليط من الرسائل داخلها ; شيء رائع . معجز . مفاجئ . يثير تساؤلات عن نفسه لايمكن الإجابة عليها . يجعل المراقب يتعجب . بل ويتساءل عنه مرتاباً : أتعجب ماذا يُمكن أن يكون ؟!
كلمتا معجز ورائع هما المفتاح فكلتاهما تنحدران من أصل واحد في اللغة الهندو-أوربية. ويعني ببساطة يبتسم أو يضحك .
أي شيء عجيب هو ما يجعلنا في حضوره نبتسم بإعجاب (والإعجاب والتعجب ينحدران أيضا من نفس الأصل اللغوي ...).
قررت بعدها أن اكتب قائمة ليس لحفل عشاء المجلة وإنما بالأشياء السبعة الأكثر إثارة للتعجب عندي . عجائب السبعة الخاصة بي .
سوف أقوم بحجب العجيبة الأولى حتى آخر الكلام وأبدا بالثانية .
العجيبة الثانية :
هي نوع من البكتريا لم يُشاهد أبجا فوق سطح الارض حتى عام 1982 كائنات لم يحلم بها أحد من قبل . تنتهك كل ما تعودنا او نطلق عليه قوانين الطبيعة . كائنات تخرج مباشرة وحرفياً من الجحيم او ما نتصوره عن الجحيم : باطن الارض ذوي الحرارة العالية حيث لاحياة هناك . ذلك المكان خضع مؤخراً للفحص العلمي لابحاث أعماق البحار الت استهدفت النزول بعمق 2500 متر أو أكثر عند فوهة فجوات في قاع البحر حيث يندفع ماء البحر البالغ السخونة في شكل سحب هائلة من أنابيب (مداخن)متصلة بسطح الارض في ظاهرة تُعرف لعلماء المحيطات ب (المداخن السوداء) انها ليست مجرد مياه ساخنة ليس بخاراً تحت ضغط عالٍ مثلما يوجد في المعامل (وهي طريقة تستخدم للتخلص من اي مظهر من مظاهر الحياة الميكروبية) إنه ماء حار حرارة كبيرة (300 درجة) تحت ضغط في منتهى الضخامة .
لايمكن ببساطة تخيل اي نوع من انوع الحياة تحت هذه الظروف فالبروتينات وال DNA تتكسر والانزيمات تنصهر . أي كائن حي يموت في الحال لهذا فنحن استبعدنا منذ زمن وجود حياة على كوكب الزهرة طوال الأربعة بلايين سنة من عمره بسبب درجة حرارته المشابهة لما يندفع من باطن البحار .
إلا ان العالمين باروس وديمنج أكتشفا وجود مستعمرات حية من البكتريا في الماء المندفع مباشرة من تلك الانابيب البحرية . والاكثر من ذلك ان تلك الكائنات عندما وضعت في حضانات ذات ضغط عالٍ ودرجة حرارة 250 فأنها تكاثرت بحماس بالغ ، تلك الكائنات يمكن ان تموت اذا تم تبريدها بوضعها في ماء يغلي (100ْ).
إنها تبدو مثل اي بكتريا عادية . واذا ما تفحصناها بالميكروسكوب الالكتروني فستجد ان لها نفس تركيب الخلايا الأخرى .
كانت تلك البكتريا القديمة كما يعتقد الان هي اقدم الموجودات على الأرض وبالتالي أصل الكائنات فأية حيلة تعلمتها او تعلمها من جاء بعدها حتى يبردوا ؟ لا استطيع ان افكر في حيلة أكثر عجائبية من تلك.
عجيبتي الثالثة :
هي من فصيلة الخنافس . أهتم بها صديق يعيش في هيوستن . هو عالم من علماء الامراض ولديه الكثير من أشجار السنط (ميموزا) في حديقته الخلفية .
الخنافس ليست كائنات حديثة لكنها تصنف كعجيبة من قبل علماء التطور البيولوجي الحديث بسبب الافكار الثلاث المتتابعة التي تسكن في عقل اناث الخنافس من تلك الفصيلة .
أول فكرة تاتي الى الانثى هي شجرة السنط . تبحث عنها وتتسللها متجاهلة كل انواع الاشجار الاخرى المجاورة .
أما فكرتها الثانية فهي وضع البيض فهي تزحف حتى تصل الى فرع من الفروع ثم تقوم بعمل شق طولي في الفرع بواسطة فكها ثم تضع بيضتها في هذا الشق .
فكرتها الثالثة والاخيرة تتعلق بمصلحة ذريتها ذلك ان يرقات الخنافس لا تستطيع ان تحيا داخل الاشجار الحية لذلك فهي تقوم بحفر حزام دائري حول غصن في الشجرة حتى اللحاء .
يتطلب منها هذا العمل حوالي ثماني ساعات ثم تغادر الشجرة وتذهب الى حيث لا ادري .
بعد فترة يموت ذلك الفرع من الشجرة بتأثير الحزام المحفور حوله فيسقط على الارض مع نسمة الهواء التالية . هنا على الارض تنمو اليرقات وتتحول الى جيل اخر من الخنافس ويبقى السؤال مكانه بلا إجابة .
كيف بحق السماء تطورت تلك الأفكار الثلاث المترابطة في عقل تلك الأنثى عبر عصور التطور . كيف نشأت فكرة منهم ثم ثبتت في ذهنها دون الفكرتين الأخريين ؟ ما هي الاحتمالات التي جمعت ثلاثة تصرفات مختلفة لا رابط بينها :
1- تفضيل شجرة السنط عن غيرها .
2- عمل شق طولي لوضع البيض في الغصن.
3- تَحزِم الغصن .
كيف حدث هذا الاختيار العشوائي داخل جينات الخنفساء ؟
هل تعي تلك الخنفساء ما تفعله ؟ ثم كيف دخلت شجرة السنط في هذه الصورة التطورية ؟
إذا تركت شجرة السنط على حالها فإن متوسط عمرها هو بين 25 و 30 سنة . أما إذا تم تقليمها وهو ما تفعله أحزمة الخنفساء فأنها تزدهر لمائة عام .
علاقة شجرة السنط على بأنثى الخنافس هي مثال راقٍ على التعايش المشترك التكافلي . هي ظاهرة معترف بها الآن في عموم الطبيعة .
إنه لمن المفيد لعقلنا ان نجد حولنا تلك الكائنات مثل هذه الشجرة وتلك الحشرة لأنهما يذكراننا دائماً إننا لا نعرف عن الطبيعة إلا أقل القليل .
العجيبة الرابعة :
هي كائن مُعْدٍ يُسمى : (فيروس سكرابي) والذي يسبب امراضا قاتلة في مخ الغنم والماعز وحيوانات التجارب المعملية . أحد اقرباء هذا الفيروس هو C.J الذي يسبب جون الشيخوخة عند الانسان .
تسمى تلك المجموعات بالفيروسات البطنية لانها ببساطة عندما تُداهِم حيوانا فإن الاعراض لا تظهر عليه الا بعد سنة ونصف او سنتين من تاريخ التعرض للفيروس . ويستطيع هذا الكائن التكاثر بسرعة هائلة ، حيث يصل خلال سنة من بضعة فيروسات الى اكثر من مليار فيروس . لقد استعملت كلمة (هذا الكائن) عن قصد حيث ان احد لم يكتشف بداخله عناصر التكاثر الوراثي مثل DNA اوRNA الموجودة في كل الخلايا الحية . ربما تكون موجودة ولكن بكميات ضئيلة لايمكن اكتشافها ولكن في المقابل يوجد الكثير من البروتينات وهو ما يقود الى القول ان هذا الفيروس ربما يتكون كليا من بروتينات لكن البروتينات كما نعرف لا تستطيع ان تنسخ نفسها بنفسها على الاقل ليس على كوكبنا هذا .
من هذا المنظور فإن فيروس سكرابي يُعد أغرب الكائنات في علم الاحياء وحتى يأتي إنسان ما في عمل ما ويكتشف ماهيته فإنه سيبقى مرشحاً ليكون احد العجائب السبع .
عجيبتي الخامسة :
هي خلايا الشم داخل الأنف . نستنشق بها الهواء فنحس برائحة البيئة . وعطر الأصدقاء ورائحة دُخان الورق والوردة والإفطار وحلول الليل ووقت النوم وربما كما يقال رائحة القداسة .
الخلية التي تفعل كل هذا ترسل اشارات عاجلة الى أعمق جزء من المخ موقظة ذكريات لا حصر لها واحدة تلو الاخرى هي خلايا من المخ تبعد اميالا عديدة عن فتحة الهواء لكنها ترسل أليافاً عصبية تتشمم العالم الخارجي .
كيف تتصرف تلك الخلايا لكي تعطي معادلاً حسياً لما نُحسه ؟!
كيف تميز بين الياسمين وما هو غير الياسمين دون ان تخطىء ؟. ذلك من اعمق اسرار علم الاحياء العصبي هذه في حد ذاتها عجيبة كافية لكن هناك ما هو أكثر فتلك الخلايا الخاصة بالشم في المخ (بخلاف خلايا المخ الاخرى في كل الفقاريات ) تجدد نفسها كل بضعة اسابيع حيث تموت خلايا وتنشا مكانها خلايا اخرى جديدة في نفس المكان العميق من المخ وتتصل بنفس الألياف العصبية البعيدة اميالاً عن فتحة الأنف لكنها مع تجددها تشم وتتذكر نفس الروائح التي عرفها اسلافها من الخلايا من قبل .
لو حدث وفهمنا ذات يوم تلك الخلايا ووظائفها بما فيها مزاجها وتقلباتها والقوانين التي تحكمها فسوف نعرف عن العقل نفسه اكثر بكثير مما نعرفه اليوم .
العجيبة السادسة :
وانا متردد أن اقول هي نوع اخر من الحشرات ، النمل الابيض وهذه المرة ليست الحشرة المفردة هي العجيبة وانما هي تلك الحشرات عندما تجتمع .
ليس هناك شيء معجز في نملة بيضاء (وحيدة) بل إنه لا وجود لمثل ذلك الكائن من الناحية الوظيفية تماما مثلما لا نجد انساناً يعيش بمفرده لاوجود لمثل هذا الكائن .
خذ اثنين او ثلاثة من النمل الابيض وضعهم في طبق سوف يتحركون ويتلامسون بعصبية ثم لن يحدث شيء ذو بال ولكن تابع اضافة المزيد من النمل الابيض حتى يصل الى كمية معينة (الكتلة الحرجة )وهنا تبدأ المعجزة كما لو انهم قد تلقوا اشارة او خبرا مهما فانهم ينظمون انفسهم الى كتائب كل كتيبة تتكون من مجموعات صغيرة تتكوم بعضها فوق بعض مكونة اعمدة لها ارتفاع محدد ومحسوب ثم تصل ما بين الاعمدة بواسطة اقواس علوية مكونة كاتدرائية مكيفة الهواء ذات درجة رطوبة متحكم فيها طبقا للقانون الكيميائي الموروث في جيناتها . يحدث كل هذا بلا خطأ عندما ننظر اليهم لا نرى فيهم كتلة من النمل الأبيض وإنما نرى مخاً واحدا مفكراً يقف على ملايين الأرجل .
كل ما نعرفه عن هذا الشيء الجديد هو انه يصنع هندسته المعمارية عن طريق نظام معقد من الإشارات الكيميائية .
العجيبة السابعة :
هي الطفل البشري اي طفل لطالما تعجبت من الطفولة ومن تطور جنسنا البشري وبدا لي غير اقتصادي بالمراة اهدار تلك الطاقة طول سنين طويلة يكون فيها الطفل هشا لايملك مساعدة نفسه بلا تطور بيولوجي ملحوظ الا بعض المتع الفارغة غير المسئولة قلت لنفسي انها سُدس متوسط حياة الانسان!.
لماذا لم يعتن التطور البشري بهذه المسالة ؟! لماذا لم يسمح بقفزة سريعة من الطفولة الى البلوغ ؟!.
كنت غافلا عن عامل اللغة تلك الصفة التي نتفرد بها كجنس بشري . الخاصية التي تمكننا من البقاء كأكثر الكائنات نُزُعاً نحو الحياة الاجتماعية على سطح الارض ، نعتمد على بعضنا ونتواصل مع بعضنا اكثر من أشهر . نسيت ذلك ونسيت ان الطفل يفعل ذلك اثناء طفولته ، الطفولة وجدت من اجل ان نتعلم اللغة .
ثم هناك كائن اخر رائع مثل الطفل مملوء بالامل نقلق علي صباح مساء ذلك الكائن هو نحن مجتمعون معا في كتلتنا الجماعية الحرجة .
حتى الان تعلمنا ان نكون مفيدين ونسدي الخدمات لبعضنا اذا كنا في مجتمعات صغيرة مثل العائلة والاصدقاء ولجان العمل وان يكن نادراً. ولكننا اذا عشنا في مجتمعات كبيرة العدد كما في الدول الحديثة فاننا قادرون على تدمير انفسنا والاتيان باكثر الامور حماقة بكشل لانراه في مكان اخر من الطبيعة .
اذا تكلمنا عن جنسنا البشري فاننا لا نزوال جنسا حديثا شديد الحداثة وبالتالي لايمكن الثقة فيه . لقد انتشرنا في كل ارجاء الارض منذ بضعة الاف من السنين فقط وهو لاشيء بالمقياس لساعة التطور البيولوجي وفي هذا الانتشار هددنا بالانقراض انواعا اخرى من الحياة والان نهدد انفسنا !.
ما زال امامنا الكثير لنتعلمه عن الحياة ولكن ربما ينفذ منا الوقت قبل ان نتعلم ولكننا مؤقتاً وأقول موقتا نظل اعجوبة من العجائب .
والان نأتي الى العجيبة رقم واحد في قائمتي والتي اجلت الكلام عنها الى النهاية عندما وضعت القائمة . انها الاولى في عجائب العالم الحديث ولكي تسميها فانه يتوجب ان تعيد تعريف العالم لقد اطلقنا على هذا المكان الذي نعيش فيه اسم Wiros منذ زمن طويل وهي تعني في جذورها اللغوية الهندو أوربية (الانسان) نحن الان نعيش في الكون كله تلك القطعة المدهشة من الهندسة الممتدة . ضاحيتنا في هذا الكون هي المجموعة الشمسية والتي سوف ننشر الحياة بداخلها إن اجلا ام عاجلا وربما الى كل المجرة ، من بين كل الاجرام السماوية التي تستطيع الوصول اليها او مشاهدتها عبر النظر فان اكثرها روعة وادهاشا وغموضا هو كوكبنا الارضي لا شيء يضارعه في اي مكان اخر على الاقل حتى الان .
ان الارض عبارة عن نظام حي كائن هائل ما زال يتطور ينظم نفسه يصنع الاوكسجين الخاص به يضبط درجة حرارته يحافظ على كائناته الحية مترابطة متكافلة بما فيهم نحن ، انه أغرب الاماكن وما زال امامنا الكثير لنعرفه عنه وسوف نظل لالاف السنين القادمة مندهشين ونتساءل ونتعلم على شرط الا ندمره .
أملنا يمكن في كوننا جنسا بشرياً صغيراً في العمر . تعلمنا التفكير باللغة منذ زمن قصير وما زلنا نتعلم وننمو .
نحن لسنا مثل مجتمع الحشرات فهم محكومون بطريقة واحدة لعمل الاشياء وسوف يفعلونها الى الابد .
أنما نحن مختلفون نحن لا نتبع النظام الثنائي ،اذهب او لا اذهب وانما نحن نستطيع التكفير باربع طرق مختلفة اذهب ، لا اذهب ، ربما اذهب ، ثلم لماذا لا احاول الذهاب .
نحن في تتابع مستمر للمفاجآت طالما ظللنا احياء نحن نستطيع ان نبني اشياء للمجتمع الانساني لم تبن من قبل ، افكاراً لم يفكر فيها احد من قبل وموسيقى لم نسمعها ابدا من قبل .
اذا لم نقتل انفسنا بانفسنا واذا استطعنا ان نترابط بروابط المودة والاحترام والتي اعتقد انها موجودة في جيناتنا فانه لا نهاية لما يمكن ان نفعله فوق هذا الكوكب .
في هذه المرحلة المبكرة من تطورنا فان كل ما نحتاجه ببساطة هو المستقبل .